أما ترتيب الأولياء بغير القرون فهناك ترتيب آخر بحسب الأعمال، أفضل الأولياء بحسب الأعمال، إذا قسمنا الأمة كما قسمها الله تبارك وتعالى فإنها صنفان: السابقون، وأصحاب اليمين، إذاً: هما على هذا الترتيب، فأكثر ولاية لله هم السابقون.فالسابقون هم أولياء الله، وكذلك من دونهم أصحاب اليمين من أولياء الله، والمؤمنون كلهم أولياء الله، لكن السابقون أعظم في سلم ودرجة الولاية من أصحاب اليمين.فإذاً: إذا قسمنا الناس كما قسم الله سبحانه وتعالى في أول سورة الواقعة وآخرها فهم ثلاثة أصناف، وتكون هذه الأمة صنفين، فمن هذه الأمة السابقون، ومنها أصحاب اليمين، وأما الصنف الثالث فلا يكون من هذه الأمة، وإنما هم أصحاب الشمال، أي: الكفار.وهذا التقسيم كما ذكر الشيخ رحمه الله هو موجود في سور أخرى، في سورة الإنسان: ((
إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا *
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ))[الإنسان:5-6] وفي آية المطففين نفس الشيء أبرار، ولكن بدل عباد الله قال: ((
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ *
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ))[المطففين:27-28] في سورة الإنسان: (عباد الله) وفي سورة المطففين: (المقربون) فالمقربون يشربون من هذه العين خالصة نقية، وأما الأبرار الذين هم أدنى درجة فهم يشربون منها ممزوجة.فإذاً: أولئك أفضل، وهم الذين يشربون من هذه العين العظيمة المثني عليها من قبل الله عز وجل بالثناء العظيم، وهذا الوصف لا نعلم إلا اسمه وأما حقيقته فهي في علم الغيب عند الله عز وجل، فهؤلاء عباد الله المقربون يشربونها خالصة، وأما الأبرار الذين هم أقل منهم فإنهم يشربونها ممزوجة مخلوطة، فأولئك أفضل من هؤلاء.والجنة درجات عظيمة، فمنها درجات عظيمة للمقربين، ومنها درجات عظيمة للأبرار.أما في سورة فاطر فإن أقسام هذه الأمة ثلاثة، وإذا قلنا الأقسام وأردنا العالمين فستكون أربعة، فهذه الأقسام الأربعة هي: السابقون: ((
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ))[فاطر:32] السابق بالخيرات في سورة (فاطر) هم السابقون في سورة (الواقعة)، وهم عباد الله في سورة (الإنسان)، وهم المقربون في سورة (المطففين). المقتصد: ((
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ))[فاطر:32] المقتصد الذي هو من أصحاب اليمين في سورة (الواقعة)، ومن الأبرار في سورة (الإنسان) وفي سورة (المطففين).الظالم لنفسه؛ لأن الله تعالى يقول في الآية: ((
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ))[فاطر:32] فالظالم لنفسه هذا هو من جملة الأمة المصطفاة، والسياق هذا يفيدنا زيادة فائدة عما ذكر هنا، وهي أن هذا الظالم لنفسه هو من أهل الجنة ولو باعتبار المآل والعاقبة، ولا يعني ذلك أن الظالم لنفسه يدخل الجنة ابتداء. إذاً: عندما ننظر إلى آيات (الواقعة) و(الإنسان) و(المطففين) فهي تتكلم عمن يدخلون الجنة، وتتحدث عن أوصافهم، فهؤلاء هم أهلها، لكن درجاتهم متفاوتة.أما الظالم لنفسه فهو من أهل الوعيد، لكنه لا يخلد في النار؛ ولذلك قال الله تعالى بعد هذه الآية: ((
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ))[فاطر:36] الآية، وهم أهل النار، فهؤلاء مخلدون فيها، فمرتكبو الكبائر والظالمون لأنفسهم من هذه الأمة هم من جملة أهل الجنة، وإن كان منهم من لا يدخل ابتداء، وإنما يدخل عاقبة ومآلاً، بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الشافعين، وتحنن الله عز وجل ورحمته بهم.فعلى هذا يكون هؤلاء هم الدرجة الدنيا في الولاية، أدنى درجات الأولياء هم الظالمون لأنفسهم، لكن على كلٍ هم من جملة هذه الأمة.فإذاً: تكون هذه الأمة كلها أولياء لله عز وجل، أعلاهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبعده صحابته، وأدناهم الظالمون لأنفسهم من أهل الكبائر والمعاصي، الذين هم من أهل التوحيد، كل هؤلاء أولياء لله عز وجل.إذاً: فالولاية متفاوتة بحسب ما بين أهل الطبقة الأولى العليا وبين أهل الطبقة الدنيا، وهذا ليس فيه إشكال.